الامير المصرى عضو جديد
عدد الرسائل : 12 العمر : 34 تاريخ التسجيل : 17/11/2007
| موضوع: دروس فى علاقة القائد بجنودة السبت نوفمبر 17, 2007 9:40 pm | |
| درس في علاقة القائد بجنوده قبل من أتباعه ما لا يقبله أقزام اليوم من فقهاء الدم وزد بالحسنى على من خاطبوه بأغلظ النعوت مائة مقاتل من يثرب حولوا الهزيمة إلى نصر والرسول وزع الغنائم على الجميع دون تفرقةفي غزوة هوازن دروس وعبر تعطينا صورة واضحة عن موقف نبي الرحمة "ص" من رجال في صفوفه لا إيمان لهم ، ومع ذلك غفر لهم ما قدمت أيديهم ، ببساطة شديدة ، فقط لأنهم كانوا قد أعلنوا إسلامهم أمامه وبايعوه على السمع والطاعة لله ولرسوله بعد فتح مكة ، وهم من اصطلح التاريخ الإسلامي على تسميتهم بـ"الطلقاء" ، وهو الأمر الواجب مقارنته بما يحدث في بلادنا اليوم من رجال يقومون على شئون الدين يكفرون العباد ويطلبون دماءهم بفتاوى ما أنزل الله بها من سلطان ، يسيئون بها إلى الإسلام وصورة الإسلام ، في مقابل صورة أخرى تأتينا ناصعة من زمن النبوة ، إزاء قوم صاحبوا الرسول وخذلوه في أحرج المواقف الفاصلة ، ومع ذلك لم يأمر الرسول "ص" بقتلهم أو تكفيرهم ، وكان ذلك في الغزوة المعروفة بحنين أو هوازن التي جرت في وادي أوطاس بجبال حنين في شوال من السنة الثامنة للهجرة.كان فتح أم القرى هو الفتح العظيم الذي دوى خبره في الجزيرة جميعاً ، لما كان لمكة من مكانة كبيرة ، وما كان لقريش من احترام بين كافة قبائل وعشائر العرب باعتبارهم أهل الله وحماة بيته ، وإلى الجنوب البعيد كانت قبيلة هوازن الكبيرة تتسمع أخبار ما يحدث في الشمال فتأخذها الرهبة خوفاً من غزو جيش المسلمين لبلادها فتجتمع مع ثقيف على تجهيز جيش كبير لغزو المسلمين قبل أن يغزوهم "وقالوا: قد فزع لنا فلا باهية له دوننا والرأي أن نغزو /البلاذري / أنساب الأشراف /1/364 ، أنظر أيضاً ابن الأثير / الكامل 2 / 961 ، والطبري / التاريخ / 3/70".ولما كانوا يعلمون أنهم بإزاء جيش الملمين أمام قوة عظيمة ، فقد قامت خطتهم على عمل فدائي بقرار من زعيمهم مالك بن عوف ، وأخذوا معهم إلى الحرب نساءهم وأطفالهم وأموالهم حتى يقاتل كل رجل منهم دون عرضه وماله باستماتة طلباً للنصر أو الفناء ، وفي المقابل تحرك النبي بجيشه جنوباً غازياً لهوازن بعدما علم بشأنهم ، في أثنى عشر ألف مقاتل منهم جيش الفتح وكان عشرة آلاف ، وانضم إليه ألفان من الطلقاء الذين تهتز الأرض تحت أقدامهم لتسمع عربان البوادي قول النبي : "لن نهزم اليوم من قلة "ابن هشام والسهيلي / الروض الأنف 4/24". وهو القول المعبر عن واقع هوازن الذي لا يقاس على جيش المسلمين العظيم عدداً وعدة. وعندما جاءت النبي العيون "الجواسيس" تبلغه بخروج هوازن بنسائها وأموالها وأطفالها ، تبسم قائلاً : "تلك غنيمة المسلمين غداً إن شاء الله" / ابن كثير / التاريخ /4/324".ومع ثقة المسلمين في النصر بعدد جنودهم المحاربين ، فإن على الجانب الآخر كان زعيم هوازن مالك بن عوف قد عزم على اجتياز الانتصار وتغيير مسار التاريخ بإيقاف المسلمين ورتما القضاء عليهم ، مستفيداً من غزوة بدر حين كان المسلمون قلة أمام كثرة ، ففعل فعلهم الذي أدى إلى انتصارهم ، فسبق جيش المسلمين إلى مواقع متميزة اختارها بجبال حنين المرتفعة التي تنحدر إلى قعر فسيح يسمى أوطاس ، ووزع رجاله في مواقف مختارة بعناية ما بين رام وفارس وراجل ودارع ، ووضع خلفهم نساءهم وعيالهم وبعيرهم وشياههم ، و هو يعلم حال جيش المسلمين الكبير حقاً ، لكن مع ما فيه من الثغرات الواضحة ، و أهمها أولئك الذين دخلوا الإسلام منذ أيام كرهاً لا حباً من طلقاء مكة.ونستمع إلى الصحابي جابر يروي لنا المشهد الأول من الجولة العسكرية وهو يقول : "فلما استقبلنا وادي حنين انحدرنا في واد أجوف جطوط ، إنما تنحدر فيه انحداراً في ثنية الصبح ، وكان القوم قد سبقونا إلى الوادي فكمنوا لنا في شعابه ومضايقه قد تهيأوا وأعدوا ، فوالله ما راهنا ونحن منحطون إلا الكتائب قد شدت علينا شدة رجل واحد فانهزم الناس أجمعون لا يلوي أحد على أحد - ابن الأثير/الكامل /2/262/263".وهكذا بدأت الموقعة بانهزام الجيش الكبير أمام القلة ، لأن المسلمين اعتمدوا القوة العددية ، أما هوازن فاعتمدت التخطيط الجيد وهي العدد القليل ، الآن وبعد أن قاربت الدولة الكبرة الإسلامية على القيام في جبين التاريخ ، وقعد المعاناة والتجارب والهزائم والانتصارات ، وبعد كل التواصل بين الأرض والسماء وكل الآيات التي تتحدث عن الاستشهاد وجنة الشهداء ، فر الموعودون بالجنة وهم كثرة أمام أهل الجحيم وهم قلة ، وتبعثر الاثنا عشر ألف مقاتل منهزمين يحاولون الصعود من أوطاس إلى جبال حنين.والصعود ليس كالهبوط فيه الكبوات وفيه ذعر الهروب ، فيه سهام ثئز ورماح تطارد ، لا أحد يلتفت إلى أحد ، ولا حتى إلى رسول الله أحد ، وهو يرى مشروع دولة العرب الموحدة يتزلزل زلزالاً عنيفاً ، فيقف مكانه ثابتاً ، فإما حيات تصل إلى مبتغاها أو لا حياة ، ويصمد القائد العظيم وحده ويهرب المؤمنون فراراً من الموت.ولا يبقى من القضية كلها والحديث عن جنة الشهداء ونار الكافرين سوى رابطة الدم القبلية وحدها ، فيصمد حول الرسول أهل عشيرته من بني عبد المطلب وأبي طالب ، ثمانية نفر من الاثنى عشر ألفاً وقفوا ترساً واحداً في حلقة حول أبن أخيهم ، بينما النبي يهتف في الهاربين : "أين أيها الناس؟ هلموا إلي ، أنا رسول الله ، أنا محمد بن عبد الله". . ويعقب ابن كثير على النداء النبوي : "ولا شيء؟!" وركبت الإبل بعضها بعضاً. . انكفأ الناس منهزمين لا يقبل أحد على أحد - أبن كثير/ التاريخ /4/325/326 ، أنظر أيضاً السهيلي في الروض الأنف 4/141".ووسط غبار الفارين يسأل أحدهم عمر بن الخطاب : ما شأن الناس؟ ليجيبه عمر معبراً عن مدى اللوعة: "أمر الله /ابن كثير / 4/329". أما الطلقاء فقد انتحلوا مكاناً آمناً يطالعون المشهد المفزع ، ليفصح لسان أبي سيفان عن مكنون صدره وفرحه العظيم بهزيمة المسلمين هاتفاً : "لا تنتهي هزيمتهم دون البحر" ، ليجاوبه كلدة بن الحنبل الذي كان يتصور انتصارات محمد السابقة سحراً قائلاً : "ألا بطل السحر اليوم" ، لكن ليرد عليه أخوه لأمه صفوان بن أمية أحد كبار أشراف مكة معبراً عن عصبيته لأهله قائلاً : "أسكت فض الله فاك ، فو الله لئن يربني" "يرأسني" رجل من قريش أحب إلى من أن يربني رجل من هوازن - ابن كثير/ 4/325" وهو التعبير الذي يشير إلى عمق الهزيمة أمامهم وأن هوازن لن تكتفي ، بذلك بل ستسود على قريش ولن يوقفها أحد.أما النبي "ص" الذي وقف يشهد هذا الانهيار فقد نظر إلى السماء هاتفاً : "اللهم إنك إن تشاء لا تعبد في الأرض بعد اليوم".. و كان لابد من تصرف سريع حاسم ، فنظر إلى حامل راية هوازن وأشار إليه بإصبعه ، فيتبع علي بن أبي طالب الإشارة ويهوي بسيفه على عقب الفرس فيسقط فيقتل صاحب الراية ، وترتبك هوازن ولا تعرف أين وجهتها ، ثم يهتف النبي بعمه العباس : "يا عباس ناد : يا معشر الأنصار. . الله الله. . الكرة على نبيكم. . يا أنصار الله يا أنصار رسول الله ، يا بني الخزوج" كان نداء للأخوال من يثاربة واستنفاراً للنخوة والعهد الذي تعهدوه بالدفاع عن ولدهم ، ليعبر العباس عن أثر النداء بقوله : "فو الله لكان عطفتهم حين سمعوا صوتي عطفة البقر على أولادها فقالوا : يا لبيكاه ,, يا لبيكاه. . حتى إذا اجتمع منهم مائة رجل استقبلوا الناس / ابن الكثير 4 /328 ، 329 الطبري /3/74" و بهؤلاء المائة من المقاتلين عاد السف الإسلامي يشتد ويجتمع حوله الفاروق ويتراجع المنتصرون باحثين عن رايتهم ليتنحى الرسول جانباً مع رهطه الهاشمي قائلاً : "الآن حمى الوطيس". وما هي إلا سويعات حتى كان بيد المسلمين ستة آلاف نسمة من الأسرى معظمهم نساء وأطفال تركهم الرجال وهربوا أو قتلوا ، مع أربعة وعشرين ألف بعير ، وأربعين ألفاً من الأغنام وأربعة آلاف أوقية من الفضة "الطبري /3/82 ، وابن سعد /الطبقات /2/1/110".هذا بينما كانت أم سليم تعبر عن مشاعر السخط على الخونة في جيش المسلمين والطلقاء من قريش ، الذين فروا وشمتوا وفرحوا بالهزيمة ، ووقفوا ينتظرون تحديد موقفهم لمن ستكون الكرة ، فتقول للنبي : "يا رسول الله اقتل الطلقاء الذين انهزموا بك" ، ليرد عليها النبي رداً يفحم فقهاء الدم في أمامنا قائلاً لها : "إن الله قد كفى وأحسن يا أم سليم /ابن كثير /4/326".مع احتمال ان يكون ما حدث في المشهد الأول من هزيمة ترتيباً مقصوداً من الطلقاء من قريش ومن فزارة وسليمم وتميم ، فيهرب فرسانهم أمام هوازن لإيقاع الارتباك في الجيش الإسلامي فيهرب الناس بغريزة القطيع ، وهو الاحتمال الذي يمكن استنتاجه من قول أم سليم "الذين انهزموا بك".ومع كل هذا فإن النبي "ص" قام يوزع غنائم هوازن الهائلة على كبار الرؤوس الصلبة ممن انهزموا به وممن شمتوا وخافوا وهم الأثرياء أصلاً ، ليفتح عيونهم على ما ينتظرهم مع الإسلام وأنه سيزيدهم ثراء ويحفظ لهم مكانتهم ويفتح أمامهم أبواب الغنى الهائل مع طموحاتهم التي توثبت لوعد النبي بامتلاك كنوز كسرى وقيصر ، فأعطى أبا سيفان الذي رأى أن هوازن ستطارد فلول المسلمين حتى البحر البعيد أربعين أوقية من الفضة ومائة من الإبل ، فطلب أبو سيفان مثلها لولده معاوية فأعطاه ، وأعطى الحارث بن كلدة الذي كان يقول : "إلا بطل السحر اليوم" مائة من الإبل ، واستمر العطاء تأليفاً لقلوبهم مع الإسلام ولم يبق منهم أحد إلا نال خيراً عظيماً ، حتى احتج الناس الذين قاتلوا ولم ينالوا شيئاً ووصل الاحتجاج مدى عظيماً ، فيأتي أعرابي للنبي قائلاً : "ألا تنجز لي ما وعدتني ، فقال له : أبشر ، فقال الأعرابي : لقد أكثرت على من أبشر" ، بينما يقف آخر على رأسه يقول له : "يا محمد اعدل ، فيرد النبي: "ويلك ، ومن يعدل إذا لم أعدل؟ فيجاوبه ذو الخويصرة غاضباً : لقد رأيت يا محمد ما صنعت ، فيسأله: كيف رأيت؟ فيرد : لم أرك عدلت. . بينما كان قوم آخرون يرددون: إن هذه القسمة ما فيها عدل ، وما أريد بها وجه الله ، فيذهب رجل بالكلام إلى النبي فيتغير وجهه حتى يصير شديد الحمرة ويهتف بالناس : فمن يعدل إذا لم يعدل الله ورسوله ، وتحيط بالرسول جمهرة عظيمة تطالبه بوقف العطاء للطلقاء ويقولون له ، يا رسول الله اقسم علينا فيئنا من الإبل والغنم ، ويتقدمون والرسول يتراجع حتى ألجأوه إلى شجرة علق بها رداؤه وانخلع عنه ، حتى صاح بهم ، أيها الناس ردوا ردائي ، والله لو كان لكم بعدد شجر تهامة نعماً لقسمته عليكم ، ثم يأمر زيد بن ثابت بإحصاء ما تبقى وتوزيعه على الناس بالعدل "البيهقي /الدلائل /5/173- 187 ، الواقدي / المغازي / 3/948 ، ابن هشام والسهيلي /الروض/4/459".هذا رسول الله بين رجاله وهو ليس قائداً عادياً أو مجرد زعيم ، يحتج عليه الناس فيقبل احتجاجهم ، يخاطبه الناس بالغليظ من النعوت فلا يأمر بقتلهم ، ويتجمهرون حوله وهو يتراجع أمامهم حتى تخطف الشجرة رداءه ، فلا يأمر بحرقهم وإلقائهم من شواهق الجبال أو تنكيسهم في الآبار ، بل يستجيب لهم ، لأنهم لم يفهموا خطته في تآلف الطلقاء ومشايخ القبائل الكبار ، ثم يأمر بتوزيع الفئ بالباقي بينهم بالعدل.أما الأنصار الذين كانوا وراء هذا النصر العظيم بعد هزيمة محققة فلم ينالوا من هذا الخير كله شيئاً ، ورضوا أن يعودوا إلى مدينتهم برسول الله فقط حظاً ونصيباً فاستحقوا مكانهم التليد في التاريخ دون منازع ينازعهم.هذه دروس النبوة العظمى تليق بسيد رائع يعرف ماذا يفعل ، يسبق حلمه غضبه ، ويعطي للإسلام حقه بالأمان لمن أسلم حتى لو بلسانه ، ويقبل من القول من أتباعه ما لا يقبله أقزام اليوم من فقهاء الدم. . صلى الله عليه وسلم تسليما كثيرا. | |
|